_ هل تعرف ( رأفت الراوي ) ؟!
كان لابد من السؤال بعد أن رافقنا الصمت طوال الطريق , أجهدني البحث عن صيغة مناسبة لفتح الموضوع ولم يغثني اضطرابي إلا بهذه النتيجة الغثة ..
أقود وسط رتل من المنازل الفخيمة التي تشرف علي ترعة ( المريوطية ) , يفضل الأثرياء أن يعيشوا معا في أحياء تعرف بهم ويعرفون بها , تمتلئ المداخل والمخارج بالسيارات البراقة وبرجال الأمن والحرس الخاص ونباح الكلاب الشرسة , انتظر من ( يوسف ) جوابا فيترك أذني ممتلئة بنغمات السيمفونية البيتهوفينية التاسعة التي تتصاعد من المسجل , عوضا عن أنغام الجاز المفضلة لدي , الراقدة في سلام بين شقيقاتها ..
( يوسف ) ساهم لا يجيب ..
عادت ( ريما ) إلي عادتها القديمة , صمت مطبق من قبله , ومحاولات استطرادية من قبلي , كأنما صمته دعوة مفتوحة لي بالقول :
_ انه مسئول حكومي مرموق علي درجة وزير , واحد الرجال الذين صاغوا سياسات الوطن طوال العقود المنصرمة برغم اختلاف العهود والمشارب والأمزجة !
أقول :
_ صورة تملا الصحف والمجلات والشاشات , اسمه يتردد في جميع النشرات الإخبارية المحلية دائما والعالمية أحيانا , ضيف دائم في المحافل واللقاءات , إما يقص شريطا أو يقف خلف حامل المقص في ابتسامة وتصفيق !
أقول :
_ كان خبر زواجه من فتاة تصغر ابنه الأكبر في العمر حديثا للمدينة لشهور طويلة مضت , لكن مثل هؤلاء الناس لا يأبهون بالمدينة ولا بحديثها , إنهم يؤمنون أن الحديث وان طال فنهايته آتية لا محالة , فهو في النهاية أبجدية لغوية لا ترهق إلا مستخدمها ..
أقول :
_ الليلة مات ( رأفت الراوي ) !!
يقول :
_ قتل !
اشعر بالزهو يملؤني , ومن يدفع تمثالا حجريا لفعلها فالزهو ابسط حقوقه الطبيعية ..
_ جاءنا البلاغ منذ ساعات , قبل منتصف الليل بقليل ..
_ قالت !!
_ الخادمة كانت تصرخ في الهاتف ..
_ هناك دماء !!
يشعل احدي سجائري , والمح المنزل الفخم الفيكتوري الطراز من بعيد ..
_ انتقلنا للمعاينة علي الفور , وجدنا الرجل مطعونا في رقبته داخل حجرة مكتبه , ودماؤه تسيل فوق الأرض الباركيه وتغرق ملابسه وأوراقه وسطح مكتبه الزجاجي ..
_ طعنة قاتلة ..
لا أعير ما يقول التفاتا , واستطرد أكثر وأكثر :
_ لم يكن في المنزل احد غير أسرته , ابنه الأكبر ( احمد الراوي ) ؛ ( مادي ) إن كنت تفضل اسما شبابيا يليق بابن وزير في منتصف العشرينيات .. ابنته ( سوسن الراوي ) التي لم تتجاوز الثامنة عشرة , والتي يتم علاجها نفسيا منذ وفاة أمها بعد أن أصيبت بالاكتئاب .. زوجته الجديدة ( نيللي ) التي كانت تعد احتفالا صغيرا بعيد ميلاد زوجها .. نعم , لقد مات الرجل بعد ستين عاما من مولده في نفس اليوم ...ألا يذكرك هذا بشئ ما ؟!
بالطبع لم أتلق ردا , وهو ما دعاني للمواصلة :
_ هناك أيضا ( مبروكة ) الخادمة الخاصة بزوجته الأولي الراحلة وأم ابنيه , وهي التي اكتشفت الحادث وأبلغت عنه ..
يسال ويدخن :
_ تسلل ؟!
_ ليس هذا واردا مع الحراسة المكثفة حول الفيلا , ولكن ..
صمت ..
_ ولكنه تشاجر الليلة _ حسبما دلت الأقوال _ مع مدير مكتبه ( شكري راشد ) , كان ذلك في التاسعة تقريبا عندما تصاعد الصوت العالي من مكتبه , وفوجئ الجميع ب ( شكري ) طفله المدلل كما يصفه الكثيرون يخرج من المكتب مهرولا نحو سيارته , وينطلق بها بعيدا ..
يدخن ويسال :
_ فقط ؟!
انه يعرف الكثير , من أين ؟! لا ادري ..
_ لقد تشاجر مع ابنه أيضا ..
هي موهبته البوليسية في الغالب , بالإضافة إلي حزنه الرهيب ..
( يتبع )