رائحة الدم , والموت , والمؤامرة..
بقايا رجل مهم ترقد في قبر أنيق .. مكتبة عامرة بمجلدات براقة لم تمس , صالون يغري بالاسترخاء في أريحية , تحف ودروع وشهادات تقدير تطل داخل إطارات مذهبة , صورة كبيرة تحتل الحائط لرجل كان يدعي ( رأفت الراوي ) ؛ كان ولا يزال يرقد في قبر أنيق ..
ملاءة تعلوها بقعة حمراء تغطي جلسته المتجمدة خلف المكتب الضخم , رائحة الدم والبركة التي يصنعها أسفل قدمي الضحية , و ( يوسف ) الذي يتقدم دون أن يعترض طريقه احد ..
حاول ضابط الشرطة أن يفعلها عند مدخل الفيلا , حركة التنقلات الدائمة بين رجال الشرطة منعته من تعرف زميل سابق لي في النيابة , ولم يلن الرجل إلا بعد أن أمرت بإدخال ( يوسف ) علي مسئوليتي الشخصية .. المهم أن يكون الأمر بعيدا عنك , وليحترق العالم بعدها بما فيه ومن فيه !
( يوسف ) يتقدم , وأنا امرق البركة الحمراء أسفل المكتب , ثم ارفع بصري إلي سطحه حيث الأوراق والأقلام والسجائر الثمينة والولاعة الذهبية و ... و ...
( يوسف ) يتوقف , وينتزع الغطاء عما يغطيه في حركة خاطفة , وبحركة خاطفة ابعد عيني عن المشهد الفظيع , لكن عدستي عيني تخوناني وتنقلان لي بعضا منه في قسوة ..
الموت , والدم , والمؤامرة ..
الشعر الأبيض المشعث , التجاعيد وإطارات النظارة المذهبة , العينان الجاحظتان في ذهول ميت , والسكين الضخم المستقر في عمق العنق ..
والدم ..
احمرار شنيع يكسو القميص الذي فقد ابيضاضه , وربطة العنق التي التصقت به , أما السترة فكانت معلقة خلفه علي المشجب ..
كيف ابغض هذه الأمور وهي صميم عملي ؟!
ربما كان هذا سبب فشلي فيه , والذي أداريه ببعض التحايل والكثير من التجاوز ..
عندما ينتهي كل شئ أعاود النظر إلي ( يوسف ) , والملاءة المبقعة , وبركة الاحمرار :
_ ما رأيك ؟!
يشير إلي النافذة خلف المقعد خلف المقعد الذي تستقر فوقه الجثة ,ويسألني دون أن يتحدث ..
_ نعم , كانت مفتوحة عند دخولنا إلي هنا ..
واستدرك :
_ لكن هذا لم يفدنا كثيرا , البصمات عليها تخص القتيل وحده ..
_ بصمات ؟!
يقولها وهو يمد رأسه عبر النافذة ناظرا لأعلي , فأقول :
_ غرفة ابنه ( مادي ) تعلو هذه الغرفة مباشرة ..
تلتقي عيوننا , فاقرأ السؤال والجواب :
_ لكنه لم يكن في المنزل وقت وقوع الجريمة !!
يسألني متحدثا هذه المرة :
_ مازال هناك ؟!
لا تمنعني غرابة السؤال من أن أجيب :
_ عاد بالطبع ..
وأضيف :
_ جميع المشتبه فيهم متواجدون الآن , حتى ( شكري راشد ) الذي أرسلنا في طلبه حضر منذ قليل ..
يعبر من أمامي ويتجاوزني نحو باب الغرفة :
_ سأراهم جميعا !
أقول وأنا الهث خلفه :
_ لابد أن نجد الجاني قبل الفجر , وإلا ...
اهمس في وجل :
_ لن ترحمنا الصحافة !!
( يتبع )