لا يصلح ( شكري راشد ) أن يكون شيئا غير ذراع يمني لشخص مهم ..
لامع , براق , حيوي , تفيض العينان بالشباب والحماسة والذكاء , والقميص الأحمر تحت السترة ذات المربعات البيضاء والسوداء يضيفان اللمسة الأخيرة علي الجو المصطنع ..
الجدية التي تكسو ملامحه هي أول ما يقابلنا ونحن نخرج من غرفة القبر الأنيق , جالس علي مقعد مأخوذ من بين مقاعد السفرة , وساقاه تصنعان خطين مائلين تلتقي نهايتهما في نقطة واحدة ؛ فوق سيراميك الأرضية الباهر ..
تلتقي عيناه مع عيني , فأتقبل الدعوة وأدنو منه ..
_ أنت ( شكري راشد ) ؟!
اعرفه مسبقا لكنها رسميات المقابلة الأولي , أراني الشرطي قبل أن اذهب إلي ( يوسف ) صورة له ..
_ لن أتحدث إلا في وجود محامي الخاص ..
يقولها معبقة بالثقة , أو أنا هذا ما فهمته .. انه يحاول قطع كل الطرق التي يمكن أن أصل منها إليه ..
قلت وقد اعتدت هذا النوع من التعاملات ؛ والفضل للخبرة :
_ لن يجبرك احد علي شئ , لكن التعاون سيكون جهدا مشكورا بالطبع ..
صمت وتحديق , و( يوسف ) من خلفي يلتهم أظافره بلا هوادة ..
_ الشجار !
تند عن ( يوسف ) , واتولي الترجمة عنه :
_ هل حدث وتشاجر معك القتيل الليلة ؟!
صمت وتحديق , و( يوسف من خلفي ينتظر الجواب المتوقع ..
_ كان شجارا عاديا .. ليس من النوع الذي ينتهي في المعتاد بجريمة قتل ..
أقول وأنا أقدم له سيجارة يرفضها :
_ عليك بالتفاصيل , ولتترك لنا مهمة الحكم هذه ..
صمت وتحديق , و( يوسف ) من خلفي يرتجف ..
_ شئون متعلقة بالعمل ..
_ منذ متى تعمل مديرا لمكتبه ؟!
أسال ..
_ عشر سنوات ..
يجيب ..
_ كان القتيل عصبيا إلي حد طردك في كل شجار مماثل ؟!
صمت وتحديق , ثم إجابة :
_ لم يكن هناك من قبل شجار مماثل ..
تحديق ثم تحديق , ثم يقول :
_ لن استطيع البوح بما هو أكثر .. للعمل أسراره التي لا تباح حتى في ظروف حالكة كالموت ..
أضيف :
_ قتلا ..
_ وان يكن ..
عزيمة وإصرار ..
_ أمور شخصية ؟!
يسال ( يوسف ) من خلف ظهري , فيحدجه ( شكري ) بنظرات قاسية وكلمات من رصاص :
_ المرحوم هو الذي رباني وأكبرني , ولست ممن يعضون الأيادي المحسنة ..
برئ صادق , أو محتال بارع .. هل يوجد خيار ثالث ؟!
أهم بقول شئ ما , يتبخر القول مع الرنين المنغوم لجهاز هاتفه المحمول , أغنية شهيرة لمطربة لبنانية تتفنن في تسويق أنوثتها من المحيط للخليج , ينظر ( شكري ) في شاشة الجهاز مقطبا ثم يستأذن :
_ سآخذ هذه المكالمة إذا أذنت لي ..
وبالطبع لم ينتظر إذني , وانتحي بجهازه جانبا ليتحدث فيه همسا بحيث لانسمع حرفا مما يقال ..
انظر إلي ( يوسف ) الشارد , أساله :
_ برئ ؟!
صمت وتحديق , ثم ..
_ الشيطان يمكن أن يظهر أكثر براءة منه !!
( يتبع )