الطعنه
برغم كل شئ كنت اعرف انه أكثر من يصلح لهذه المهمة ..
برغم كل شئ..
ليل المدينة النائية عند أطراف الصحراء المظلمة , لافتة ( مرحبا بك في مدينة السادس من أكتوبر ) تستقبلني وحيدا في ليل اسود , سيارتي الخنفساء العتيقة من طراز ( الفولكس فاجن ) عاجزة عن نهب الأرض بقدر ما ينهبني التوتر المقيت , ناشبا مخالبه في أعصابي ..
السيجارة الألف , والخاطر المليون , والنجوم البعيدة ..
سأجده مستيقظا , مازال ينام نهارا ويصحو ليلا كأي وطواط في ورديه ..
لم تكن المسافة إليه بعيده هذه المرة , تستغرق المسافة قرابة الساعة في ليل ( القاهرة ) النائم , لكنني سأصل هذه المرة في اقل من ربع ساعة , فلم تكن هناك سيارة علي الطريق الممتد من ( المريوطية ) سوي خنفسائي , ولتبق مسالة حسن الحظ أو سوئه نسبيه إلي الأبد!!
هذه قضية أخري له وحده , ولكن..
لن يكون إقناعه سهلا علي الإطلاق , ارددها لنفسي مع أنغام الجاز الكئيبة المنبعثة من مسجل سيارتي الذي كلفني راتب شهرين كاملين , وليحيا وكلاء النيابة !!
انعطف بسيارتي عند اللافتة التي تشير إلي الحي الرابع , أخوض في الشوارع نصف الاسفلتيه , نصف المضاءة , نصف المعمورة , وتلوح لي الفيلا من بعيد , كقصر أسطوري ضخم ينتصب فوق سحابة سماويه داكنة ..
قوطي هو , عاش ويعيش وسيموت قوطيا برغم كل محاولاته البائسة للتمرد , ومحاولاتي الأكثر بؤسا للتعايش مع الواقع الأليم ؛ واقعه وواقعي !!
أتوقف بسيارتي أمام البوابة الحديدية , وبرغم يقيني بعبث النفير في مثل هذا المكان – والزمان – إلا أنني أطلقت تنويها قصيرا من باب العبث ليس إلا , لعلها تكون مقدمه مناسبة يستشعر بها مجيئي , أو أنني كنت امني نفسي المتفائلة – حتى التشاؤم – بهذا ..
رمقت الفيلا بعيني الحمراوين برغم اعتيادهما علي السهر الطويل , طابقين دانيين يحيط بهما سور مرتفع وأشجار عاليه غليظة الجزوع , عمود الإنارة القريب يلقي بضوئه الأصفر الكالح علي وجهي , ويصنع خلفي ظلا وحشيا لبدني السمين , اسحب النفس الأخير من سيجارتي , وفي أثناء اندلاع الدخان من فتحتي انفي في خطين طويلين اسحق العقب بحذائي اللامع , اختلس نظره أخيره عبر البوابة الحديدية نحو مدخل الفيلا المرعب , والمح النافذة المضاءة الوحيدة بين نوافذ الفيلا الغارقة في السكون والليل , ثم احسم أمري وأسير ..
ادفع بالمفتاح في الثقب الخاص داخل القفل الضخم المتدلي من البوابة, تزمجر سلاسل المعدن التي تطوق القضبان الطولية وأنا أزيحها ثم ادفع الباب فيئن صدا المفاصل , تري..
هل ينتظر إعلانا أكثر من هذا عن قدومي؟!
قنبلة من الطراز الهيروشيمي مثلا ؟!
اخفي المفتاح الصغير بين ملابسي وأنا أسير الهوينى نحو باب الفيلا القريب , شاعرا باني انشد المستحيل في عقر داره , ومتجاوزا شعوري هذا بضغطي علي زر الجرس ..
املك مفتاحا مشابها لهذا الباب , لكني سأختبر قدرته علي أن يكون ايجابيا , وليس اضعف إيمانا من همه بفتح الباب للشخص الوحيد الذي يستطيع الوصول إليه بطريقة شرعيه ..
أنا وبلا فخر ..
]size=24]
( يتبع )
[/size]
( يتبع )
[/size]